التأطير الإشكالي:
ذ.علي الهلالي
المجال المتوسطي مجال جغرافي يضم مجموع الدول الواقعة على ضفتي البحر المتوسط والبالغ عددها 22 دولة ويشكل محور التقاء لعلاقات وتبادلات غير متكافئة في عدة مستويات بين قسميه الشمالي والجنوبي وتسعى بلدانه إلى التخفيف منها عن طريق إحداث وتفعيل آليات الشراكة وثقافة التعايش والمنفعة المتبادلة.
ما مجالات التفاوت بين الشمال والجنوب في المجال المتوسطي وتفسيره؟
ما آليات ومجالات التعاون بينهما؟
ما حصيلة هذا التعاون وآفاقه المستقبلية؟
يمتد المجال المتوسطي بين خطي طول 15° غربا و 45° شرقا وخطي عرض 23° و 50° شمالا، ويضم مضايق مهمة منها مضيق جبل طارق ومضيقي البوسفور والدردنيل
يتميز المجال بغلبة الكتل الجبلية التي تمتد على مساحات شاسعة من بينها سلسلة جبال الألب بالقسم الشمالي وسلسلة جبال الأطلس بالقسم الجنوبي وتمتد السهول فقط على المناطق الساحلية أما المناخ فيتميز بتنوعه و ينتشر المناخ المحيطي والمناخ المتوسطي المتميز بأهمية تساقطاته وانتظامها بالقسم الشمالي بينما يسود المناخ الصحراوي والمناخ المتوسطي المتميز بجفافه وعدم انتظام تساقطاته القسم الجنوبي
إنتاج فلاحي ضخم يصل إلى درجة الفائض في الكثير من المنتجات الفلاحية ( وصل إنتاج القمح مثلا سنة 2006 51 مليون طن والذرة 40مليون طن كما وصل إنتاج الابقار 37 مليون رأس …الخ) وذلك بفضل استعمال الأسمدة والمبيدات والاستفادة من مكننة العمليات الفلاحية ومن نتائج البحث العلمي ووجود أراضي صالحة ومناخ معتدل فلاحة عصرية ومتقدمة تستعمل أحدث تقنيات الإنتاج
فلاحة تقليدية تعاني من مشكل:
الضغط الديمغرافي على الأراضي الفلاحية
الاستغلال المفرط للأراضي الفلاحية
المشاكل السياسية المرتبطة بتهيئة واستغلال الموارد ذات الطابع الدولي فلاحة مرتبطة بالأسواق الخارجية
وجود إنتاج صناعي كبير ومتنوع وتزايد الاهتمام بالصناعات العالية التكنولوجيا كصناعة الفضاء وصناعة الطائرات وتستفيد الصناعة بهذا القسم من المؤهلات التالية:
خبرة اليد العاملة ووجود سوق استهلاكية واسعة ذات دخل مرتفع
التقدم التكنولوجي الكبير الذي تدعمه البحوث العلمية والبنية التحتية القوية
الاستفادة من القروض والمساعدات للقطاعات المتضررة
إنتاج صناعي ضعيف مما يحتم على هذه الدول الارتباط بالأسواق الخارجية
الاهتمام الكبير بالصناعات الاستهلاكية (صناعة النسيج والصناعة الغذائية…) والصناعات الأساسية (الصناعات الكيماوية والبيتروكيماوية…)
كما تنتشر بهذا القسم عدة طرق بحرية كبرى لنقل البترول نحو بلدان الشمال
كما أصبحت تعرف اهتماما كبيرا بالصناعات الثقيلة في إطار ما يعرف بإعادة التوطين
الاعتماد على تصدير المواد المصنعة ذات قيمة إضافية عالية وقد وصلت هذه النسبة بإيطاليا مثلا إلى 90%
تستورد مواد أولية ضعيفة القيمة وهذا ينعكس على وضعية الميزان التجاري
تعتمد على تصدير المواد الأولية ذات قيمة منخفضة وتستورد مواد عالية الجودة، يعتبر الاتحاد الأوربي شريكها الأساسي حيث يحتكر 55 % من مبادلاتها التجارية وهذا ينعكس سلبا على الميزان التجاري
يتوفر المجال المتوسطي على مؤهلات سياحية تساعد على استقطاب السياح ومن أهمها:
السواحل المتوسطية التي تتميز بكثرة الشواطئ الرملية وطول الفترة المشمسة والمناظر الطبيعية المتنوعة والتراث الحضاري العريق والبنية التحتية الضخمة (فنادق، وسائل المواصلات…)
ورغم ذلك فهناك تفاوت كبير في قطاع السياحة مابين المجالين الشمالي والجنوبي ويتجلى هذا التفاوت في:
ارتفاع عدد السياح الوافدين على القسم الشمالي مقارنة مع القسم الجنوبي بحيث يصل عدد السياح الوافدين على اسبانيا لوحدها إلى 40 مليون سائح في الوقت الذي لا يتجاوز فيه عدد السياح بتونس 2 مليون سائح
وجود أهم المحطات والسواحل السياحية بالقسم الشمالي ناهيك عن كون معظم السياح من دول أوربا الغربية والشمالية
يتميز توزيع الدخل الفردي بالمجال المتوسطي بالتباين:
ففي الشمال المتوسطي يرتفع المعدل ويتجاوز 20000 دولار للفرد في السنة بعدة دول كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا إلا أن هذا لايمنع من وجود تباين داخل بلدان الشمال نفسها حيث ينخفض المعدل إلى أقل من 10000 دولار للفرد في السنة بألبانيا مثلا.
الجنوب المتوسطي: عموما تشهد تفاوت حاد فيما بينها وينخفض عن 5000 دولار للفرد في السنة بكل من المغرب ومصر على مستوى الوضعية الاجتماعية
الشمال المتوسطي: تتوفر على مؤشرات إيجابية بخصوص الوضعية الاجتماعية للسكان فنسبة التعليم تجاوزت 98 % وانخفضت نسبة الأمية إلى 2 % كما أن نسبة البطالة لا تتجاوز 10 % وتجاوزت المصاريف العمومية الخاصة بالصحة 7.7 % وانعكس هذا الوضع بشكل إيجابي على مؤشر التنمية البشرية والذي وصل إلى 0.8 فأكثر
الجنوب المتوسطي: تتميز بوضعية اجتماعية مزرية تتضح من خلال مؤشرات التنمية البشرية فنسبة الفقر وصلت إلى 21 % ونسبة الأمية لاتزال مرتفعة 20 % ونسبة التأطير الطبي لا تتجاوز في أغلب البلدان 120 طبيب لكل ألف نسمة وانعكس هذا الوضع على قيمة مؤشر التنمية البشرية حيث لا يتجاوز في أغلب البلدان 0.7
ترتبط بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط بعلاقات واسعة وقديمة فالتعاون بينهما انطلق منذ ستينيات القرن الماضي وعرف تطورا كبيرا خلال السبعينيات بانطلاق السياسة المتوسطية الشاملة سنة 1972 والتوقيع على اتفاقية ” PAM ” سنة 1976
وقد شكل مؤتمر وزراء الخارجية للبلدان الأورمتوسطية المنعقد ببرشلونة يومي 27 و 28 نونبر 1995 خطوة هامة نحو شراكة أورومتوسطية حقيقية حيث حُددت في هذا المؤتمر مجالات التعاون الأورومتوسطي كما هو واضح من خلال الخطاطة الموالية:
ثم تقوت بعد ذلك الشراكة بانعقاد عدة مؤتمرات من بينها المؤتمر الرابع بمرسيليا في نونبر 2000 وفي سنة 2004 عرف الاتحاد الأوربي انضمام عدة دول جديدة فانطلقت السياسة الأوربية للجوار وانعقد المؤتمر السابع في لكسمبورغ سنة 2005 وفي نفس السنة انطلقت المباحثات حول تحرير التجارة والاستثمارات بمراكش
كل هذا من أجل الاستجابة للتحديات الأربعة التالية: الديموقراطي الاقتصادي الطاقي والهجرة.
على مستوى الحصيلة يلاحظ أن قمة برشلونة لم تحقق الأهداف المرجوة منها كما هو واضح من خلال الخطاطة التالية:
آفاق الشراكة الأورومتوسطية : الدعوة إلى تطوير هذه التجربة مستقبلا من خلال:
الإسراع بتحقيق الاندماج الجهوي بين بلدان الجنوب وتسهيل عملية ولوج السلع الجنوبية إلى السوق الأوربية
تدارك التأخر بنهج إصلاحات عميقة في دول الجنوب المتوسطي من قبيل تحري الاقتصاد وتحسين مناخ الاستثمار ناهيك عن نشر الديمقراطية والاهتمام أكثر ببرنامج ميدا 2 لتمويل مشاريع الشراكة
إعطاء عناية أكثر للقطاعات الاثنى عشر ذات الأولوية من خلال برنامج بام 2
نخلص إلى القول أن العلاقات بين بلدان الشمال وبلدان الجنوب من خلال النموذج المتوسطي تشوبها هيمنة اقتصادية وثقافية يمارسها القسم الشمالي على القسم الجنوبي مما يحتم على هذه الأخيرة التعاون فيما بينها في إطار جنوب جنوب إن هي أرادت اللحاق بركب الدول المتقدمة